المؤتمر الوطني للحوار الاجتماعي، الأراضي الفلسطينية المحتلة

مستقبل أفضل للفلسطينيين

قال غاي رايدر، المدير العام لمنظمة العمل الدولية، للمكونات الثلاثية الفلسطينية، إن إعطاء الأولوية لفرص العمل وحقوق العمال والحماية الاجتماعية والحوار الاجتماعي أمر ضروري إذا أراد الفلسطينيون تحقيق تعافي مستدام وتشاركي ومحوره الإنسان من كوفيد-19.

بيان | ٠٣ مارس, ٢٠٢١

معالي السيد رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية المحترم،
معالي السيد وزير العمل، الدكتور نصري أبو جيش المحترم،
السيد شاهر سعد، أمين عام الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، وعضو مجلس إدارة منظمة العمل الدولية،
السيد عمر هاشم، رئيس اتحاد الغرف التجارية الصناعية الزراعية الفلسطينية،
سعادة السيد فايز المطيري مدير عام منظمة العمل العربية،
صديقي سفير فلسطين في جنيف السيد إبراهيم خريشة،
زملائي في منظمة العمل الدولية في القدس وبيروت،
الأصدقاء الأعزاء،

إنه لشرف كبير حقاً أن أشارك في هذا المؤتمر المهم جداً والذي ينعقد في الوقت المناسب ويجمع الحكومة وأصحاب العمل والعمال في فلسطين لإعداد استراتيجيات جماعية من أجل مستقبل أفضل للفلسطينيين، جميع الفلسطينيين، نساءً ورجالاً، في الضفة الغربية وفي غزة. وأود أن أبدأ بتهنئتكم جميعاً على مثابرتكم والتزامكم في هذه المبادرة شديدة الأهمية، والتي أعتقد أنها ضرورية جداً في هذه اللحظات العصيبة.

الأصدقاء الأعزاء،

دخل العالم عام 2021 وهو يعاني من أزمة غير مسبوقة على صعيد الوظائف والدخل ومن مستوى كبير من عدم اليقين بشأن المستقبل.

فقد تركت جائحة كوفيد-19 آثاراً مدمرة على المجتمعات والاقتصادات في جميع أنحاء العالم. وكلنا يعلم أن أكثر من مليوني شخص في العالم فقدوا حياتهم حتى الآن. لكن الأزمة الصحية أصبحت أيضاً أزمة اجتماعية واقتصادية وفي بعض الحالات أزمة إنسانية أيضاً.

وعندما نتطلع إلى الأمام، من موقعكم اليوم، لإيجاد طريق المستقبل، يجب أن نضع نصب أعيننا ليس مجرد العودة إلى حيث بدأنا، بل المضي قدماً في اتجاه جديد وأفضل لضمان أن أوضاع أسواق العمل ستصبح أفضل بالفعل - وضع يضمن مستوى أعلى من العدالة الاجتماعية وفرص عمل لائق للجميع.

اسمحوا لي أن أقدم لكم لمحة سريعة عن الأبعاد العالمية لأزمة عالم العمل التي سببها كوفيد-19. فكما قيل بالفعل، لم يشهد العالم أزمة بهذا الحجم خلال القرن الماضي، ولا في تاريخ منظمة العمل الدولية.

لقد وجدنا بالأرقام أن عدد ساعات العمل الفعلية في عام 2020 انخفض بنسبة 8.8 في المئة. وهذا، أيتها السيدات والسادة، يعادل فقدان 255 مليون وظيفة في العالم.

وإذا حللنا هذا الرقم الرهيب، ماذا نكتشف؟

نكتشف أن قرابة نصف هذه الخسارة يرجع إلى أشخاص يعملون ساعات أقل أو ليس لديهم ساعات عمل إطلاقاً، لكنهم ما زالوا على قيود العمل. لم يفقدوا وظائفهم ولكنهم لا يعملون ساعات كافية.

وأيضاً، نجد أن معظم الخسائر سببها أشخاص دخلوا ببساطة مرحلة عدم النشاط. لقد غادروا سوق العمل، وثبطت عزائمهم، بل حتى لم يعودوا يبحثون عن عمل.

البطالة الصريحة في العالم شهدت هي الأخرى زيادة كبيرة. وتقديراتنا أنها ازدادت بمقدار 33 مليوناً، لكن هذا لا يعكس الآثار الكاملة لهذه الأزمة.

وضمن هذا الوضع الرهيب، فإن الأكثر ضعفاً والأكثر حرماناً بالفعل في أسواق العمل هم الأكثر تضرراً.

ومني العاملون ذوو الأجور المتدنية بأشد الخسائر في الدخل.

وفقد أصحاب الأوضاع غير المستقرة ممن يعملون بدون عقود رسمية عملهم بنسب أكبر من غيرهم.

وكانت معاناة النساء أشد من بقية الفئات.

ولا بد لي من التأكيد بأن الشباب تضرروا بشدة لدرجة بتنا فعلاً أمام خطر رؤية جيل ضائع بسبب الوباء.

وإذا جمعنا كل ما سبق، فإن الأثر على الأجور والرواتب كان استثنائياً جداً.

فقد انخفض دخل العمل بنسبة 8.3 في المئة خلال العام الماضي. وهذا يعادل خسارة 4.4 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي.

أصحاب المعالي، الأصدقاء الأعزاء،

أوضاع الأراضي الفلسطينية المحتلة تتضمن كل هذه الأشياء. فآخر الإحصاءات تظهر أن معدل البطالة بلغ 23.4 في المئة في الربع الأخير من عام 2020، لكن متوسط السنة بأكملها تجاوز 25 في المئة. ولا تزال البطالة مرتفعة بشدة بين الشباب والنساء وسكان غزة.

ولا تزال معدلاتها بين الشباب مرتفعة بشكل ينذر بالخطر حيث بلغت 36.3 في المئة، ووصلت في صفوف الشابات إلى 61.6 في المئة. أما بالنسبة للأرقام الخاصة بغزة، فجميعكم يعلم أنها أكثر إثارة للقلق.

أصحاب السعادة، في الأيام المقبلة، ستبدأ البعثة السنوية لمنظمة العمل الدولية إلى فلسطين عملها. وستنعقد هذه المرة افتراضياً، وستقدم تقريراً عن حالة العمال وأسرهم إلى الدورة المقبلة لمؤتمر العمل الدولي في حزيران/يونيو من هذا العام. كلي ثقة بدعمكم وأشكركم عليه، وأنا ممتن لتعاونكم مع بعثتي على مر السنين. تقدم البعثة دائماً صورة محدثة وشاملة عن الأوضاع على الأرض، وترشدنا في تصميم وتنفيذ مشاريعنا ودعمنا لكم لتحقيق العمل اللائق في فلسطين. واسمحوا لي أن أغتنم هذه المناسبة المهمة لأهنئكم جميعاً على الأمور الكثيرة التي حققناها في إطار برنامج العمل اللائق الذي تمكنت من توقيعه معكم خلال زيارتي إلى فلسطين في نيسان/أبريل 2018.

بعد الحديث عن كل هذه الأمور مع معاليكم، أشعر بتشجيع كبير لأن المكونات الفلسطينية الثلاثية تجتمع اليوم لدراسة أكثر الجهود فاعلية في مواجهة الوباء والاتفاق عليها.

في مرحلة مبكرة من الأزمة، اتخذتم بالفعل خطوة مهمة بتوقيع الاتفاق الثلاثي في آذار/مارس من العام الماضي، وهو اتفاق يحمي أجور العاملين، وينص على بدء تنفيذ خطة لمواجهة الطوارئ تركز على صحة السكان وعافيتهم، لا سيما مراعاة ظروف الفئات الأشد ضعفاً.

وعلى الرغم من الظروف المالية القاسية التي تواجهكم والقيود العديدة التي يفرضها الاحتلال، فإن هذه المبادرات تظهر بجلاء إرادة الشعب الفلسطيني وقدرته الأسطورية على الصمود.

اسمحوا لي أن أهنئ بشكل خاص معالي وزير العمل على دوره الرائد في هذه المساعي.

كما أهنئ السيد شاهر سعيد، عضو مجلس إدارة منظمة العمل الدولية، على الاختتام الناجح للمؤتمر السادس للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، بما فيه الانتخابات التي جددت الولاية الديمقراطية للقيادة النقابية، وهو أمر ضروري لتحقيق حقوق العمال. أهنئ أيضاً الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين على زيادة تمثيل المرأة في القيادة النقابية إلى 30 في المئة.

وبالمثل، أود أن أهنئ اتحاد الغرف التجارية الصناعية الزراعية الفلسطينية، من خلال رئيسه، على الفعالية والمرونة والابتكار الذي أظهروه في هذه الأوقات العصيبة بالنسبة للقطاع الخاص، ولا سيما للشركات الصغيرة. لقد ذكّرتنا أزمة الوباء جميعاً بالدور الحاسم الذي تلعبه منظمات أصحاب العمل في التوافق، وأثني على جهودكم الدؤوبة في استمرار الحوار والتعاون مع الحكومة ومع ممثلي العمال، لتحقيق الأهداف المشتركة في تخفيف معاناة العمال الأكثر تضرراً ومساعدتهم على التعافي بشكل أفضل.

أصحاب المعالي، الأصدقاء الأعزاء،

يعرف الجميع أن كوفيد-19 سرّع التغييرات التي كانت تحدث بالأساس، سواء في المجتمع أو في عالم العمل. ورغم ظهور بوادر أولية لتعافي أسواق العمل العالمية، فإنها لا تزال هشة وغير مؤكدة، وعلينا أن نتذكر دوماً أنه لا توجد دولة أو مجموعة ستتعافى بمفردها إذا لم يتعافى الآخرون.

وهذا يعني أن سياسات المواجهة يجب أن تكون عالمية. ويجب أن تجمع بين حصول الجميع على اللقاحات بشكل منصف، وبين تدابير الصحة العامة، وتدابير دعم تعافي الاقتصاد وسوق العمل الذي نعمل جميعاً من أجله.

علينا أن ندعم تعافي قوي وواسع النطاق، مع التركيز على فرص العمل والدخل وحقوق العمال والحوار الاجتماعي. وباختصار، ما نسميه في منظمة العمل الدولية "تعافي محوره الإنسان".

نحن بحاجة ماسة إلى الحد من التفاوتات عبر تبني سياسات اقتصاد كلي واستثمار تركز على الإنسان، وعبر ضمان تكافؤ الفرص في إيجاد وظائف لائقة وكسب دخل لائق.

والواقع، وهو واقع قاس، هو أنه بدون حماية اجتماعية كافية وإعانات نقدية وغيرها من وسائل تأمين الدخل، فإن المزيد من الأسر ستقع فريسة للفقر، بل والفقر المدقع في الحقيقة.

معالي السيد رئيس الوزراء،

إذا سمحتم لي أن أذكر بخطاب معاليك عندما شرفتنا بحضورك في مؤتمر الذكرى المئوية لمنظمة العمل الدولية في عام 2019 في جنيف. حيث قلتم، وهنا أسمح لنفسي بالاقتباس:

"إن تعزيز بناء الأفراد والمؤسسات والاستثمار فيه أمر مهم للفلسطينيين ... نريد تطوير هذه المجالات لأننا نبني دولة ناجحة وقادرة على خدمة سكانها وتلبية احتياجاتهم".

ومع ذكر هذه الكلمات، أهنئكم في الوقت نفسه جميعاً على صياغة واعتماد أول استراتيجية وطنية للتشغيل من خلال الحوار الاجتماعي الثلاثي. مبروك لكم هذه الخطوة المهمة. وأكرر التزام منظمة العمل الدولية بدعم تنفيذ الاستراتيجية والاستثمار في مواطنيكم وفي مؤسساتكم ومستقبل اقتصادكم.

استراتيجيتكم رائعة في شمولها ودقتها وفي طموحها.

والأمر الحاسم، أنها تهدف إلى مواجهة الطوارئ العاجلة التي يسببها الوباء، وكذلك تحديات سوق العمل الهيكلية طويلة الأجل، والتي تشكلت طوال عقود من الاحتلال.

وأعتقد أن هذه الاستراتيجية تتماشى بشكل جيد جداً مع إعلان المئوية لمستقبل العمل الصادر عن منظمة العمل الدولية. وهنا، اسمحوا لي أن أؤكد مرة أخرى على أهمية التركيز على الناس، وعلى تعافي محوره الإنسان لإعادة البناء بشكل أفضل، من خلال إعطاء الأولوية للتشغيل والدخل والحماية الاجتماعية وحقوق العمال والحوار الاجتماعي. إذا كنا نريد تعافياً دائماً ومستداماً يشمل جميع الفلسطينيين، فهذا هو المسار الذي علينا باعتقادي أن نلتزم به جميعاً.

وبالمثل، فإنني أشيد بالتزام قيادتكم المتجدد وبجهود المكونات الثلاثية لدعم أمن الدخل من خلال إطلاق حوار وطني شامل حول إصلاح الضمان الاجتماعي للعاملين في القطاع الخاص - وهو أمر نعمل عليه منذ فترة طويلة.

سررت أيضاً بمعرفة أن الحوار الثلاثي حول سياسات العمل، والسياسات الاقتصادية والاجتماعية يتقدم، وأنه تجري مناقشة إصلاحات قانون العمل وسياسات الأجور.

إن جهودكم الدؤوبة لتحسين آليات الامتثال والتعزيز وبناء علاقات صناعية سليمة تستحق الثناء.

مبروك لكم جميعا على هذه الانجازات.

أود أن أؤكد لكم أن منظمة العمل الدولية جاهزة لدعمكم، حكومة وعمالاً وأصحاب عمل، للوفاء بهذه الالتزامات وتنفيذها بفعالية.

وإذا قيض لي أن أوجه، في الختام، رسالة رئيسية في هذه الأوقات العصيبة، فهي أن الحوار الاجتماعي لم يكن في أي وقت مضى أكثر أهمية مما هو الآن. أعلم أن الطريق ليس سهلاً دوماً، ولكنه الطريق الصحيح. فهو يعزز القدرات الوطنية في مواجهة الأزمات. ويمنح شعوراً بالملكية ويساعد واضعي السياسات في قيادة التعافي من الأزمة عن طريق الابتكار والشراكة الحقيقية والتضامن.

ولذا السبب، يعتبر هذا المؤتمر محطة عظيمة على طريق العلاقات بين الشركاء الفلسطينيين الثلاثيين. إنه يمهد الطريق لإطار عمل فعال وديمقراطي وعادل وتشاركي لصياغة السياسات بشأن القضايا الاجتماعية والاقتصادية.

أسفي الوحيد هو أنني لا أستطيع أن أكون معكم في رام الله للانضمام إلى عملكم في الأيام القليلة المقبلة، لكنني أتمنى لكم جميعاً، كل النجاح من أجل مؤتمر ناجح.

شكرا جزيلاً