عمل الأطفال

تقرير جديد يُبين ارتفاع نسبة عمل الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نتيجة النزاع والنزوح الجماعي

التقرير يخلص إلى أن النزاع والأزمات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هما سبب ارتفاع نسبة عمل الأطفال في جميع أنحاء المنطقة، وذلك يشمل تورط الأطفال في النزاعات المسلحة وغيرها من الأنشطة غير المشروعة

بيان صحفي | ١٩ مارس, ٢٠١٩
يعمل طفل عامل في حقول وادي البقاع اللبنانية
© تابيثا روس/م.ع.د
القاهرة (أخبار م ع د) -  أشار تقرير جديد أصدرته منظمات متعددة إلى أن النزاعات والحروب على مدار العقد الماضي تزامنت مع زيادة عمل الأطفال بين الأطفال اللاجئين والمهجرين داخلياً وغيرهم من السكان في جميع أنحاء المنطقة.

ويعد تقرير "عمل الأطفال في المنطقة العربية: تحليل كمي ونوعي" الذي تم إعداده بتكليف من جامعة الدول العربية والمجلس العربي للطفولة والتنمية، التقرير الأول الذي يقدم لمحة عامة عن خصائص واتجاهات عمل الأطفال في 22 دولة عضو في الجامعة. ويقول التقرير أن "الوضع ازداد سوءً على مدى السنوات العشر الماضية التي شهدت خلالها المنطقة مستويات عالية من النزاع المسلح مما أدى إلى نزوح جماعي للسكان داخل البلدان وبينها".

وأوضح فرانك هاغمان، نائب المدير الإقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية أن قلة البيانات الإقليمية التي تم جمعها بشكل منهجي وشامل من السنوات السابقة تعني أنه من الصعب تقييم الأرقام الدقيقة حول الارتفاع الأخير في نسبة عمل الأطفال بين مختلف الفئات السكانية. ويذكر أن منظمة العمل الدولية هي وكالة الأمم المتحدة الرئيسية التي أشرفت على إصدار التقرير، بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو).

وقال هاغمان: "ومع ذلك، يوضح التقرير أن آثار الصدمات الاقتصادية الأخيرة والاضطرابات السياسية والنزاع والحرب قد أدت إلى تفاقم مستويات عمل الأطفال عما كانت عليه في السابق، كما أنها تسببت بعكس مسار التقدم الذي كانت البلدان العربية قد أحرزته في مكافحة عمل الأطفال من خلال سياسات وإجراءات عملية وضعتها". وأضاف: "وكما هو الحال في جميع أنحاء العالم، كانت النساء والأطفال أشد المتضررين من النزاع في المنطقة. ونتيجة لذلك، برزت مشكلة عمل الأطفال لتكون أهم قضايا حماية الطفل في المنطقة، والتي تتطلب اهتمامنا والقيام بإجراءات العاجلة".

أسوأ أشكال عمل الأطفال
تشير الدراسة إلى أن الأطفال في أجزاء من المنطقة العربية "يستدرجون بشكل متزايد إلى أسوأ أشكال عمل الأطفال ويتعرضون للاستغلال والاعتداء وسوء المعاملة وانتهاك الحقوق بشكل خطير ومقلق".
وتقول إن "الأطفال اللاجئين والمهجرين يعملون في أنشطة في شتى القطاعات، مع زيادة ملحوظة في العمل في الشوارع والسخرة والزواج المبكر والاستغلال الجنسي التجاري. إن عمل الأطفال اللاجئين والمهجرين ما هو بالأساس سوى آلية تأقلم مع الواقع تلجأ إليها أسرهم التي تواجه الفقر المدقع أو التي يكون فيها البالغين عاطلين عن العمل".


حالة العمل الخطير في قطاع الزراعة
وقال السيد عبد السلام ولد أحمد، المدير العام المساعد للفاو والممثل الإقليمي للمنظمة في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا: "تشمل أسوأ أشكال عمل الأطفال أنشطة العمل الخطيرة في قطاع الزراعة، حيث يعمل معظم الأطفال في المنطقة العربية سواء بأجر أو من غير أجر. ونجد انتشار هذا النوع من عمل الأطفال في الغالب في الأرياف، حيث يشكل الأطفال قوة عاملة رخيصة للزراعة ذات الحيازات الصغيرة والتي تقوم معظمها على أساليب إنتاج غير آلية تتطلب عمالة مكثفة وتتضمن مخاطر عالية".
ويؤثر النزاع والنزوح الجماعي بشكل كبير على الزراعة والأمن الغذائي. ويعد بناء قدرة سبل العيش الريفية على الصمود أمراً أساسياً للحد من عمل الأطفال في هذا القطاع الذي يتضمن بالعموم مستوى عالٍ من الوفيات المرتبطة بالعمل والحوادث غير المميتة والأمراض المهنية.
وأضاف السيد ولد أحمد: " في بلدان مثل اليمن والسودان ومصر، يضم قطاع الزراعة أكثر من نصف الأطفال العاملين. ويتطلب هذا القطاع عناية خاصة لأن الانخراط في العمل فيه يبدأ مبكراً مقارنة بالقطاعات الأخرى".

النزوح الجماعي والنزاعات المسلحة
ويضم قطاع الخدمات والصناعة أيضاً أسوأ أشكال عمل الأطفال، ويشمل ذلك المخاطر المختلفة المرتبطة بالعمل في الشوارع.

كما يشمل المشاركة المباشرة وغير المباشرة في النزاعات المسلحة وفي الأوضاع المرتبطة بها.
وتشير الدراسة إلى أن أكثر من نصف الدول العربية متأثرة حالياً بالنزاعات أو تدفقات اللاجئين والمهجرين داخلياً. وتشمل هذه الدول العراق والأردن ولبنان وليبيا والصومال والسودان وسوريا وتونس والضفة الغربية وقطاع غزة واليمن.

كما تشير الدراسة إلى ارتفاع نسبة تجنيد الأطفال، سواء من السكان المحليين أو اللاجئين، واستغلالهم من قبل الجماعات المسلحة، لا سيما في اليمن وسوريا والعراق.
ويشير التقرير إلى أن: "غالبية الأطفال المجندين هم من الأولاد عموماً. ومع ذلك، هناك نزعة ناشئة لتجنيد المزيد من الفتيات والأطفال دون سن 15 عاماً. كما يتم احتجاز مئات الأطفال في جميع أنحاء المنطقة العربية بل ويتعرضون للتعذيب بسبب تورطهم مع جماعات مسلحة".

ويضيف التقرير أن الأطفال في أجزاء من المنطقة يجبرون على ممارسة أنواع جديدة من الأنشطة المرتبطة بحالات النزاع المسلح، مثل تهريب البضائع عبر الحدود أو بين مناطق القتال، وجمع النفايات النفطية، والقيام بالأعمال الخاصة بالجنائز (جمع أجزاء الجسم من أجل دفنها)، بالإضافة إلى جلب المياه أو جمع الطعام من الحقول ومكبات النفايات المليئة بمخلفات الحرب.

وتتباين درجة مشاركة الأطفال في العمل تبايناً كبيراً في جميع أنحاء المنطقة العربية، حيث أظهرت السودان واليمن أعلى معدلات عمل الأطفال (19.2 بالمائة و34.8 بالمائة على التوالي).

وفي إطار عمل الأطفال يشكل الأولاد النسبة الأكبر. ويحذر التقرير من أنه "من المحتمل أن الدراسات الاستقصائية لم تنجح باكتشاف أشكال خفية من عمل الأطفال بين الفتيات، مثل العمل المنزلي والخدمات المنزلية غير المدفوعة الأجر، وهذا يستحق المزيد من البحث والاستقصاء". كما أن العمل بدون أجر ينتشر بصورة أكبر بين الفئة العمرية الأصغر سناً، وفي المناطق الريفية.

موافقة وتوصيات
وتم تقديم التقرير إلى الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، والتي كانت قد أيدت التقرير في السابق، في مقر الجامعة في القاهرة في 7 مارس/آذار. وكانت جامعة الدول العربية قد كلفت التقرير بتقديم فهم للاتجاهات الرئيسية لعمل الأطفال كخطوة أولى نحو وضع سياسات وتدخلات أفضل لمعالجة هذه المشكلة. وتم هذا التكليف اعتماداً على توصية من الدورة العشرين للجنة الطفولة العربية في نوفمبر/تشرين الثاني 2014.

ويشدد التقرير على أن "هناك حاجة ملحة وفورية لحماية الأطفال في المنطقة العربية، سواء كان استغلالهم الخطير نتيجة لقضايا اقتصادية بحتة أو مقترناً بالنزاع والتهجير. ويقول التقرير: "يتعين على الدول العربية أن تدرك أن عمل الأطفال يفرض تحديات فورية ومستقبلية ليس فقط على الأطفال أنفسهم، ولكن أيضاً على دولهم ومجتمعاتهم، وكذلك على الاقتصاد الأوسع".
ويضيف: "من الملح الآن معالجة الأسباب الجذرية لقضية عمل الأطفال وتداعياتها، والقضاء عليها في نهاية المطاف، خاصة في أسوأ أشكالها".

ويختتم التقرير بتقديم بتوصيات إلى الدول الاثنتين وعشرين الأعضاء في جامعة الدول العربية لتحسين أطر الحوكمة لديها، لا سيما من خلال مواءمة التشريعات الوطنية مع المعايير القانونية الدولية، وضمان التنفيذ الفعال لقوانين ولوائح عمل الأطفال.

ويوصي التقرير، ثانياً، بحماية الأطفال من الضعف الاقتصادي والاجتماعي من خلال تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للأسر حتى لا تلجأ إلى عمل الأطفال لتوليد دخل للأسر التي يعاني فيها البالغون من الفقر والبطالة. ويتطلب تحقيق ذلك تحسين سياسات سوق العمل، وتوفير الحماية الاجتماعية، وتسهيل الوصول إلى الخدمات الأساسية بما في ذلك برامج التعليم والتوعية.

ويوصي التقرير، ثالثاً، بحماية الأطفال من تأثير النزاع المسلح من خلال البرامج الإنسانية ومساعدة اللاجئين والمهجرين، وحماية الأطفال من التجنيد والاستخدام في النزاعات المسلحة، وإعادة تأهيل وإدماج الأطفال الذين يستخدمون في النزاعات المسلحة.