مقال رأي

دور التّوجيه المهنيّ في عالم عمل متغيّر

يساعد التّوجيه المهنيّ وخدمات التّوظيف الّتي تتمحور حول الإنسان في انتقال أو عودة الباحثين عن عمل إلى سوق العمل والاستجابة لحاجات الشّركات والمساهمة في تحقيق الأولويّات الاقتصاديّة.

تعليق | ١٦ فبراير, ٢٠٢٢
بقلم ماكس تونيون، رئيس مكتب مشروع منظمة العمل الدولية في دولة قطر
ألحقت جائحة كوفيد-19 خسائر فادحة بسوق العمل على الصعيد العالمي إذ أدّت إلى خسارة 52 مليون وظيفة في العاميين الماضيين وإلى اختلال كبير في طريقة عملنا. ولكن حتّى قبل الجائحة، كان عالم العمل يشهد تحوّلات غير مسبوقة ترجع بشكل أساسيّ إلى أسباب عديدة منها الابتكارات التّكنولوجيّة والتّحوّلات الدّيموغرافية وتغيّر المناخ.

وفيما تدفع هذه التّغيّرات إلى تقادم العديد من المهن التّقليدية إلّا أنّها تؤدي في الوقت نفسه إلى ظهور فرص عمل جديدة وأشكال عمل مختلفة. وبالرّغم من أنّ سوق العمل في قطر فريد من نوعه، إلا أنّه ليس بمنأى عن هذه التغيّرات.

على صعيد الاستجابات السّياساتيّة، على الحكومات أنّ تستثمر في توفير التّوجيه المهنيّ في مجالات التّعليم والتّدريب والتّوظيف إلى جانب زيادة الاستثمار في قدرات الناس ومؤسّسات سوق العمل.

وتساعد الخدمات والنّشاطات المتّصلة بالتّوجيه المهنيّ الناس على تحديد فرص التّدريب وفرص العمل واغتنامها بما يتماشى مع اهتماماتهم وأهدافهم الشّخصية. ولكي تكون هذه الخدمات فعّالة، لا بدّ أن تتمحور حول الإنسان وأن تراعي كلّ من تطوّر الاحتياجات في سوق العمل، وتوفّر مراكز التّدريب، والأهداف الاقتصاديّة الوطنيّة الأوسع نطاقًا.

ووفقًا لما ورد في الرّؤية الوطنيّة لعام 2030، وما تردّد صداه مؤخّرًا في مناقشات مجلس الشّورى، تتزايد الحاجة إلى ربط مخرجات التّعليم باحتياجات سوق العمل لزيادة مشاركة القطريّين في جميع القطاعات الاقتصاديّة.

وتربط هذه الأهداف بين ركيزتين من ركائز الرّؤية الوطنيّة - وهي التّنمية البشريّة والتّنمية الاقتصاديّة. ويساهم التّوجيه المهنيّ في إعداد قوى عاملة أكثر تكيّفًا ومرونةً ما يعود بمكاسب تنافسيّة على الشّركات.

ويساهم التّوجيه المهني كذلك في تحويل الاقتصاد القطريّ إلى اقتصاد قائم على المعرفة يتميّز بالابتكار، وريادة الأعمال، والتّميّز في جودة التّعليم. ولتحقيق التّنوع الاقتصادي المرجوّ، لا بدّ من تحفيز المواطنين القطريّين على المشاركة في القطاعات النّاشئة والاستراتيجيّة. غير أنّ تحقيق ذلك يتطلّب الاستثمار في التّدريب وفي دعم التّطوير المهنيّ المصمّم خصّيصًا لتسهيل الانتقال إلى فرص عملٍ مستدامةٍ وجاذبةٍ.

وفي هذا الصّدد، من المهمّ التّذكير بأنّ التّوجيه المهنيّ يساعد الأفراد على اتّخاذ الخيارات التّعليمية والتّدريبية والمهنيّة المناسبة في أيّ مرحلة من مراحل مسارهم المهنيّ بغضّ النّظر عن أعمارهم.

ويمكن دعم الشّباب في اتّخاذ خيارات مهنيّة مستنيرة تراعي المهارات المطلوبة في الاقتصاد حاليًّا ومستقبليًّا فضلًا عن مؤازرتهم ليكونوا مستقلّين في إدارة مسارهم المهني. أمّا طلّاب مرحلة التّعليم العالي فيمكن مساعدتهم على تطوير مروحة من المهارات المفيدة للوظائف وبناء شبكة علاقات في سوق العمل.

كذلك - وتماشيًا مع ما ورد في الاستراتيجيّة الوطنيّة لناحية زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة، يمكن تنويع الخيارات المتاحة أمام الشابّات، بما في ذلك انتقالهنّ للعمل في مجالات العلوم، والتّكنولوجيا، والهندسة والفنون والرّياضيّات وسائر المهن التي لطالما اتّسمت بهيمنة الذّكور، وتنظيم مبادرات توعية للنّساء البالغات اللّواتي تركن سوق العمل، لدعم عودتهنّ، بما في ذلك بواسطة برامج لإعادة بناء المهارات أو صقلها.

وتحقيقًا لهذه الغاية، تشجّع منظّمة العمل الدوليّة اتّباع نهج يضمّ جميع الوزارات المعنيّة وأصحاب المصلحة في المجتمع المدني، ويركّز على التّعاون الوثيق مع أوساط الأعمال. وتشكّل المبادرات كمبادرة شركاء التوجيه المهني 2022، والجهود المتواصلة التي يبذلها مركز قطر للتّطوير المهنيّ بغية بناء الشّبكات، عنصرًا أساسيًّا في إبراز دور التّوجيه المهنيّ وأهميّته الاستراتيجيّة.

وتقف منظّمة العمل الدوليّة، عبر الشّراكة التي تجمعها بوزارة العمل في قطر، على أهبّة الاستعداد لتقديم الدّعم المطلوب لتقييم وتطوير النّظم الوطنيّة للتّوجيه المهنيّ، وتسخير معلومات عن العرض والطّلب في سوق العمل للاسترشاد بها في وضع السّياسات المبنيّة على الأدلّة.

بالرّغم من التّوقعات المقلقة للمرحلة التي ستعقب الجائحة والتي تُنذر بانتعاش اقتصاديّ عالميّ بطيء وغير مؤكّد، إلّا أنّ الاستثمار في التّوجيه المهنيّ وتعزيز الرّبط بين التّعليم وسوق العمل سيزوّد مزيدًا من العمّال والشّركات بالعدّة الضروريّة لمواجهة التّحديات وانتهاز الفرص التي يخبّئها مستقبل العمل.