كلمة السيد غاي رايدر لدى إعادة انتخاب مجلس إدارة منظمة العمل الدولية له مديرًا عامًا لفترة ثانية مدتها خمس سنوات اعتباراً من تشرين الأول/أكتوبر 2017

بيان | جنيف | ١٧ نوفمبر, ٢٠١٦
أود أن أعرب عن شكري لمجلس الإدارة على ثقته التي منحني إياها بانتخابي فترة ثانية مديراً عاماً لمنظمة العمل الدولية.

كما أرغب في تقديم شكرٍ خاص لمن رشحني، وبعضكم للمرة الثانية، وأيضاً لمن دعم ترشحي.

إنه لمصدر اعتزازٍ كبير لي أن أنال، كما أظهرت نتائج الانتخاب، أصواتًا من كل الفئات الثلاث، حكوماتٍ وأصحاب عملٍ وعمال. ويمنحني ذلك دافعاً أكثر من أي وقتٍ مضى لتكرار ما قلته مسبقاً وباستمرار بأنني سأواصل مسؤولياتي في العمل من أجل جميع الدول الأعضاء ولكل الهيئات الثلاثية.

والرسالة التي أستخلصها من اقتراع اليوم هو أننا على أهبة الاستعداد للاجتماع والعمل معاً نحو تحقيق هدفٍ مشترك. وإذا كنت محقاً في تفسيري هذا، فإن ذلك يشكل فائدةً مؤسسية كبرى لمنظمة العمل الدولية ورأس مالٍ سياسي كبير يمكننا وينبغي لنا الاستعانة به تحقيقاً لأفضل النتائج.

خلال الأشهر المنصرمة، وطوال العملية التي مهدت لهذا التصويت، فعلت ما بوسعي لأنقل لكم بعض الرسائل الواضحة عما يجب أن تفعله منظمة العمل الدولية في السنوات الخمس المقبلة، وكيف ينبغي لها أن تفعله، ولِمَ من المهم جداً أن ننجح.

ويمكن التعبير عما يجب فعله ببساطة: جعل منظمة العمل الدولية أكثر فاعليةً وتأثيراً في تحقيق العدالة الاجتماعية في شتى أرجاء المعمورة. وعندما أقول أكثر تأثيراً فلا أعتقد أنه بإمكاننا الاكتفاء بمجرد إحداث تغييرٍ هامشي، بل علينا جعل منظمة العمل الدولية أكثر حضوراً وذات انتشارٍ كبير في بلادكم وفي النظام الدولي. كيف لنا أن نفعل ذلك؟ بالعمل الدؤوب سعياً للتميز بوصفه أساس كل شيء نقوم به من مناصرةٍ وتقديم استشارات بشأن السياسات وتقديم خدماتٍ نوعية، وبأن نركز ونغدو شجعانًا بما يكفي لمعالجة المسائل المهمة أي القضايا التي يمكن لمنظمة العمل الدولية وينبغي لها إحداث فارقٍ فيها. وكما كانت المنظمة مبدعةً على الدوام، يتعين علينا أن نبدع كي ننجح، كما يجب ألا نشيح بوجهنا قط أو ندير ظهرنا لأي قضيةٍ قد تُحمِّلنا المسؤولية لمجرد أننا نعتبرها صعبةً جداً أو غير ملائمةٍ أو مزعجة لنا.

والسبب الذي يجعلنا ننبري لتلك التحديات ويحتم نجاحنا في عملنا هو أن تحقيق العدالة الاجتماعية يفتح آفاقاً استثنائية للبشرية في حين أن عدم تحققها يشكل تهديداتٍ حقيقية، وبعضها موجودٌ بالفعل، على استقرار مجتمعاتنا وعلى حفظ السِلم.

وأياً كان ما يخبئه المستقبل لنا، فإن معظمه سيمارَس في عالم العمل. فعالم العمل ليس فقط المكان الذي تُصنع فيه البضائع وتُقدم فيه الخدمات، بل هو عالم تُصاغ فيه العدالة الاجتماعية، ويُحرز تقدمٌ، ويُرسم مستقبل مجتمعاتنا. ولكنه أيضاً عالم يُرتكب فيه الظلم وتتحطم الأفئدة والأجسام وينتشر عدم المساواة.

ووجودنا هنا إنما هو شاهدٌ على التزامنا المشترك بقيم منظمة العمل الدولية وأهدافها. وهو شاهدٌ أيضاً على القناعة المشتركة بأنه عندما تجتمع مهارات وطاقات الحكومات وأصحاب العمل والعمال معاً في عمليةٍ ثلاثية، كلٌّ يشارك مشاركةً ملائمة في الدفاع عن مصالحه المشروعة، فعندها تسنح لنا كل الفرص لبناء المستقبل الذي نريده لأنفسنا ولبعضنا بعضًا وللأجيال القادمة.

لقد تحدثتُ معكم ومع الآخرين عن التحديات الاستثنائية التي تنجم عن واقع التغيير الجذري غير المسبوق في عالم العمل؛ تغيير يبدو مشوقاً ومرعباً في آنٍ معاً لكنه على أي حالٍ يوحِّدنا من خلال إدراكنا بأن الوقت قد حان للتفكير ملياً في مستقبل العمل.

والذكرى المئوية لمنظمة العمل الدولية التي تحل بعد عامين ونيف تمنحنا فرصة القيام بذلك. والحرص على استغلالها على أكمل وجهٍ وفهم أن عام 2019 لا يمثل نقطة انعطافٍ لماضٍ تعتز به منظمة العمل الدولية فحسب بل وعلامة فارقة أيضاً نحو نجاحها المستقبلي يجب أن يَبرز بوضوحٍ بوصفه أعلى القمم التي ينبغي لنا تسلقها في الأعوام المقبلة.

وهنا مجدداً، لن نصل إلى القمة إلا إذا كنا سوية. فمتسلقو القمم الصعبة يربطون أنفسهم بحبل مشترك. ولذلك، فإننا والهيئات الثلاثية المكوِّنة لهذا المجلس الكريم إما أن نصل معاً إلى الذروة أو نسقط جميعًا؛ نفوز معًا، أو نخسرمعًا.

وأنا أرى الأمر عينه بالنسبة لسائر المهام التي وضعناها لأنفسنا. فنجاح مؤسسةٍ مستدامة في توليد فرص عملٍ لائق ينبغي أن يغدو الشغل الشاغل لممثل العمال وأيضاً لممثل أصحاب العمل، تماماً كما أن حماية الحق في التنظيم والمفاوضة الجماعية هو مهمة صاحب العمل والعامل على قدم المساواة.

بهذه الروحية، نستطيع، وبنجاحٍ، تولي المهمة الحاسمة المتمثلة في ضمان التطبيق الكامل لمعايير منظمة العمل الدولية. ويجب أن تصبح هذه المعايير العمود الفقري القوي لمنظمتنا كي تتمكن بشجاعة وخبرة من تحقيق الأثر العملي والعالمي لقيمها عبر إعداد اتفاقياتها وتوصياتها والإشراف عليها.

ومن هذا المنطلق، يمكننا أن نوجه عالم العمل في مسارٍ انتقالي عادل نحو مستقبلٍ مستدام بيئياً.

ومن هذا المنطلق أيضاً، يمكننا جعل فرص عالم العمل متساويةً أمام الجميع بغض النظر عن جنسهم أو عرقهم أو جنسيتهم أو أي سماتٍ شخصية أخرى ليست من شأن أحدٍ سوانا.

ومن هذا المنطلق أيضاً، يمكن لكل ما يقدمه التعاون الثلاثي أن يؤتي أُكله كي تغدو منظمة العمل الدولية، التي باتت قويةً جراء دورها الريادي في صياغة جدول أعمال التنمية المستدامة 2030، شريكاً ريادياً في الجهود المتضافرة للنظام متعدد الأطراف والرامية إلى ضمان تحقيق هذا الجدول. ونحن ندين لمهمتنا ولمنظومة الأمم المتحدة وقيادتها الجديدة في أننا كنا أكفاء في ذلك.

لا يمكن للمرء إلا أن يقف متهيبًا أمام ضخامة التحديات وما تفرضه علينا من مسؤولياتٍ، ولكن الأهم هو أن نستعد ونتسلح بالحزم والتصميم.

فالسنوات الأربع الفائتة سمتها إصلاح منظمة العمل الدولية وتحسينها، وهذا سيستمر. وقد كانت سنوات تعلمٍ بالنسبة لي. وكلي ثقة بأنها ستستمر كذلك. كما أنها كانت سنوات اتحادٍ وبناء جسورٍ من التفاهم والتسوية والتقارب وغالباً انطلاقاً من نقاط بدايةٍ متباعدةٍ جداً حول قضايا عسيرة.

لقد صنع ذلك الإنجاز كلُّ شخصٍ موجود هنا وأولئك الذين تمثلونهم، وأنا أهيب بكم المواظبة على جهودكم لتحقيق إنجازاتٍ أخرى.

ومقابل ذلك، أتعهد أمامكم أن أبذل قصارى جهدي كي أستحق بالفعل ثقتكم المتجددة التي منحتموها لي، وأن أصغي إليكم وأتجاوب مع ما تخبروني به، وأن أعمل مع هذه المجموعة الرائعة من الزملاء التي أسبغت عليَّ شرف قيادتها ويقع على كاهلها عبء مسؤوليات منظمة العمل الدولية أمامكم أجمعين.

وشكراً على حسن إصغائكم