المنتدى العربي الثاني للتنمية والتشغيل

المدير العام لمنظمة العمل الدولية: العمل اللائق والحماية الاجتماعية واحترام الحقوق عناصر أساسية في تحقيق التنمية المستدامة

قال المدير العام لمنظمة العمل الدولية غاي رايدر، في كلمته أمام المنتدى العربي الثاني للتنمية والتشغيل في المملكة العربية السعودية، إن العدالة الاجتماعية ينبغي تحقيقها من خلال توفير العمل اللائق للجميع، وإن تأمين الحماية الاجتماعية لأولئك المحتاجين لها، هو تعبير عن التضامن الذي يحفظ تماسك المجتمعات.

بيان | ٢٤ فبراير, ٢٠١٤
معالي الدكتور أحمد لقمان المدير العام لمنظمة العمل العربية،
معالي الوزير عادل فقيه وزير العمل في المملكة العربية السعودية،
معالي السيدة إنغر أندرسن نائبة رئيس البنك الدولي،
معالي الدكتور محمد التويجري الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية

إنه لشرفٌ عظيم لي أن أتوجه بكلمتي إلى الحضور الكريم في هذا المنتدى العربي الثاني للتنمية والتشغيل وأن أكون مرةً أخرى هنا في المملكة العربية السعودية. وأود أن أعرب عن تقديري العميق لصديقي الدكتور أحمد لقمان، على هذه الدعوة الكريمة. إن دعم البنك الدولي هو أيضاً موضع ترحيب للغاية وينسجم إلى حد كبير مع تعزيز الشراكة بين البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية.

وأتوجه بالشكر الجزيل للشعب السعودي والحكومة السعودية على الاستقبال الحار جداً وعلى إتاحة الفرصة لتجديد وتوطيد التعاون فيما بيننا. تعتبر منظمة العمل الدولية العلاقة مع المملكة ذات أهمية كبرى، وأنا متفائل جدًا بتحسين هذه العلاقة.

لقد اخترتم الحماية الاجتماعية من أجل التنمية المستدامة كموضوع لمناقشاتكم هنا في الرياض، وأنا مقتنع بأن اختياركم كان صائباً، لأن هذه قضايا ينبغي على المجتمع الدولي ككل والعالم العربي على وجه الخصوص التمسك بها، باعتبارها مسألة ملحة، وفي الحالات التي يكتنفها باستمرار قدر كبير من عدم اليقين وأحيانًا عدم الاستقرار أو حتى الصراع.

لقد وصلت الاضطرابات العالمية إلى عمق العالم العربي. وبدورها، تقف بلادكم في الواجهة لتحديد مسار الأحداث المستقبلية والتاريخ الذي لا يزال ينبغي علينا كتابته، تماماً كما فعلتم في الماضي.

وإذا كان ثمة درسٌ ينبغي لنا تعلمه من الماضي وأن يوجهنا في الحاضر والمستقبل، فهو أن هناك عاملًا ثابتًا ومتكرر الحدوث: المطالبة بالعدالة الاجتماعية، وتوفير فرصة الحياة اللائقة للفرد ولعائلته، واحترام كرامة الفرد وهويته وثقافته وقيمه. هذا مطلب يجب أن يتحقق من خلال توفر فرص العمل اللائق للجميع، وبشمل ذلك الحماية الاجتماعية التي تعتبر عنصراً أساسياً في تحقيق التنمية المستدامة الحقيقية.

نحن نتشارك جميعاً في قلوبنا القناعة التي نص عليها دستور منظمة العمل الدولية بأن السلام الدائم يعتمد على تحقيق العدالة الاجتماعية.

ونعلم أيضاً، أنه على الرغم من الخير الوفير، والتقدم الإنساني الذي تحقق عبر نمو اقتصادنا العالمي، ثمة شيء خاطئ ينعكس على شكل أزمات اقتصادية واجتماعية وبيئية، بما في ذلك مستوى من اللامساواة ينتهك قيم العدالة الاجتماعية.

ما هي مظاهر هذه الأزمة عالمياً وفي العالم العربي؟

ما زال الاقتصاد العالمي يكافح، بعد خمس سنوات من أزمة عام 2008. وتباطأ معدل نموه في عام 2013 إلى حدود 2.9 في المائة.

وتباطأ معدل النمو في المنطقة العربية إلى 2.2 في المائة في 2013، وهو أقل بشكل ملحوظ من المعدل العالمي.

أما اقتصادات الدول المتقدمة واقتصاد منطقة الاتحاد الأوربي، الشريك الاقتصادي الرئيسي للدول العربية، فتدنى معدل النمو فيها إلى 1 في المائة.

تأثرت أسواق العمل بتباطؤ النمو هذا تأثراً شديداً. حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل في 2013 نحو 202 مليون شخص في أنحاء العالم. وحتى ونحن نتطلع إلى تحسن متواضع في نمو الاقتصاد العالمي، تشير توقعات منظمة العمل الدولية إلى استمرار ارتفاع معدل البطالة.

ما يبعث على القلق هو أن معدل البطالة في المنطقة العربية كان الأعلى في عام 2013 قياساً لما كان عليه خلال عقود مضت، فلقد وصل إلى حوالي 11.5 في المائة (12.2 في المائة في بلدان المشرق و10.9 في المائة في بلدان المغرب).

بل لقد أصبح وضع الشابات والشبان أكثر سوءاً، ولعل هذا هو التحدي الأكبر في عصرنا. فلدينا تقريباً 74.5 مليون من الشباب تتراوح أعمارهم بين 15-24 سنة بلا عمل. والشباب أكثر من غيرهم عرضةً للبطالة بمرتين إلى ثلاثة.

ومعدل البطالة بين الشباب في العالم العربي هو الأعلى في العالم، فلقد وصل في عام 2013 إلى 27.2 - 29 في المائة، وأنا على يقين من أنكم متفقون معي بأن ذلك مقلق للغاية. يجب علينا أن نتصرف.

وعلى رأس كل هذا، كما قلت، هناك تزايد في عدم المساواة ضمن البلد الواحد وفيما بين البلدان المختلفة. وهذا يتنافى مع العدالة الاجتماعية ويؤدي إلى تأخير النمو وإيقاف عجلة التنمية المستدامة.

اسمحوا لي، ضمن هذا المشهد العام، تقديم ثلاث ملاحظات عن حالات خاصة في أسواق العمل العربية:

  1. أولاً، تؤثر البطالة على جميع فئات الدخل، على نحوٍ متساوٍ تقريباً، وليس على فئات الدخل الدنيا بالدرجة الأولى، كما يميل الأمر للحدوث في أماكن أخرى.
  2. ثانياً، الفجوة في المهارات. فحتى الشباب الذين يحملون مؤهلات تعليمية عالية غير قادرين في غالب الأحيان على الحصول على وظيفة ملائمة، وربما يلجؤون في نهاية المطاف إلى وظائف لا تتطلب سوى مهارات متدنية نسبياً. إننا بهذا نشجع هجرة الأدمغة، ويتفاقم الوضع عندما تركز سياسات خلق فرص العمل على القطاعات منخفضة الإنتاجية وتشجع نمو الاقتصاد غير المنظم.
  3. ثالثاً، المشاركة المتدنية للمرأة في قوة العمل، فواحدة فقط من كل أربع نساء عربيات هي امرأة عاملة (26 في المائة) مقارنةً بالمتوسط العالمي البالغ 51 في المائة. 31 في المائة هي نسبة المشاركة بالنسبة لجميع البلدان، وتصل مشاركة المرأة العربية حدها الأعلى في بلدان المغرب العربي بمعدل 27 في المائة، بينما تنخفض في بلدان المشرق العربي إلى 19 في المائة.
السيدات والسادة
هناك بعض الدروس الجليّة التي يمكن استخلاصها من هذه النظرة القاتمة نوعاً ما.

كلنا يدرك، كما أفترض، أن البطالة تترافق مع تكلفة اقتصادية واجتماعية كبيرة، وخسارة للإمكانات الإنتاجية، ومع بؤس إنساني وأحياناً تكلفة سياسية أيضاً. كما أن البطالة طويلة الأمد، التي تتصاعد معدلاتها في كثير من الدول العربية، تشكل تهديداً خاصاً، لأنه بعد زمن معين من بقاء الفرد خارج العمل، تتضاءل فرصه في العودة إلى سوق العمل من جديد.

وقد أدركنا أيضاً أن الاقتصاد غير المنظم يترافق دائمًا مع الفقر وتدني الجودة وهشاشة ظروف العمل.

إن تسهيل الانتقال إلى الاقتصاد المنظم، والذي سيُدرج على جدول أعمال مؤتمر منظمة العمل الدولية في حزيران/يونيو 2014، يُعتبر اليوم، على نحوٍ متزايد، عنصراً أساسياً في استراتيجيات التنمية الوطنية وقضية رئيسية بالنسبة للتماسك الاجتماعي.

وأدركنا أيضاً أن عدم الاستفادة من الإمكانيات الإنتاجية الغنية للمرأة إنما هو تضييع لجميع مفاتيح تحقيق التنمية المستدامة.

وأدركنا أيضاً أن النمو الاقتصادي ينبغي أن يضمن فرص عمل جيدة تحفظ كرامة النساء والرجال، وهذا لا يتحقق إلا بإجراء حوار فعّال بين العمال وأصحاب العمل والحكومات، وباحترام حقوق وأدوار كل طرف من هذه الأطراف.

السيدات والسادة
ما لا يمكن إنكاره، بعد كل ذلك، هو أن بإمكاننا تعلم الكثير من التجربة السابقة. وعلى كل واحدٍ منا أن يختار ما يفعله في ضوء هذه المعطيات. وأستشهد هنا بالعالم والفيلسوف العبقري ألبرت آينشتاين الذي قال إن تكرار الإجراءات نفسها على أمل أن تؤدي إلى نتائج مختلفة هو سلوك لاعقلاني.

تدرك منظمة العمل الدولية خصوصيات كل بلد من البلدان، لذلك لا توجد حلول تناسب جميع الحالات في الدول العربية كما في جميع البلدان الأخرى. لكن معايير العمل الدولية توفر مبادئ توجيهية ملائمة عالمياً لعملية صنع السياسات. فهي تضيف قيمة لهذه العملية ولا تفرض قيوداً عليها. علاوة على ذلك، فإن البرنامج الحالي لمنظمة العمل الدولية يجسد ثمانية مجالات ذات أهمية حاسمة قرر عموم أعضائنا بأنها يجب أن تكون على رأس الأوليات في عملنا وفي تعاوننا مع الدول الأعضاء. وأعتقد أنكم ربما تجدونها أجزاءَ مهمة من التحديات التي تواجهونها:
  • سياسات لنمو غني بفرص العمل تتيح لنا الفرصة للتغلب على أزمة الاستخدام العالمية.
  • وظائف ومهارات للشباب وإجراءات هادفة لمواجهة تحديات سياسات العمل في الوقت المناسب.
  • التشجيع على تحسين الإنتاجية وظروف العمل في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم لكي تتمكن الأطراف الأكثر ديناميكية في القطاع الخاص من لعب دورها كاملًا ليس في خلق فرص عمل فقط، وإنما في توفير فرص العمل اللائق أيضاً.
  • تنظيم الاقتصاد غير المنظم وهو أمر أساسي لمكافحة الحرمان والفقر.
  • مكافحة أشكال العمل غير المقبولة - تنفيذ التزامات منظمة العمل الدولية تجاه الفئات الأضعف والأكثر هشاشة في العمل.
  • تشجيع التنمية الريفية - إصلاح القطاع الذي تعرض لإهمال من واضعي السياسات في السنوات الأخيرة.
  • تعزيز تفتيش العمل - والذي يتجسد بقدرة وزارات العمل على تحقيق إجراءات الحماية التي نصت عليها تشريعات العمل.
  • أخيراً، وضع أرضيات الحماية الاجتماعية، وهو أمر ينسجم تماماً مع موضوع هذا المنتدى.
السيدات والسادة،
تدركون أن الحماية الاجتماعية كانت، منذ تأسيس منظمة العمل الدولية، جزءاً لا يتجزأ من ولايتها في خدمة العدالة الاجتماعية. ولا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك، لأن توفير الرعاية لأولئك المحتاجين إليها في المجتمع لأسباب مختلفة - كبر السن أو اعتلال الصحة أو البطالة - متأصل في قيمنا جميعاً، وهو تعبير عن التضامن الذي يربطنا مع بعضنا. وفي السنوات الأخيرة، حصل أمران فيما يتعلق بالحماية الاجتماعية:
  1.  أولاً، أصبح ارتباط الحماية الاجتماعية بأهداف السياسات الأخرى أكثر وضوحاً وأهمية على نحو متزايد. فالحماية الاجتماعية لا تفيد فقط في تحقيق منافع اجتماعية، بل وتساعدنا في تحقيق منافع اقتصادية أيضاً. والذين يمكنهم الاعتماد عليها تتحسن قدرتهم على مواجهة التغيرات الاقتصادية والتكيف معها. ومن يحصل على تعليم جيد وصحة جيدة ويتناول غذاءً صحياً يصبح فرداً منتجاً. لكننا نعرف أن هذه الروابط الإيجابية بين السياسات الاجتماعية والاقتصادية تحتاج إلى تعزيز. ويصح القول إن سياسات الحماية تهدف إلى تشجيع الناس على دخول سوق العمل – وهو هدف أساسي في الكثير من بلدانكم – وليس إبقاءهم خارجه.
  2.  ثانياً، جرى الكثير من النقاش بشأن الاستدامة المالية للحماية الاجتماعية، وعن دور كل من الدولة والمؤسسات الخاصة والأفراد في تقديمها وعن مستوى وأنواع الخدمات المقدمة.
وخلصت هذه النقاشات، المثيرة للجدل أحيانًا، إلى ضرورة اتخاذ إجراء دولي، بقيادة منظمة العمل الدولية، لوضع أرضيات (حدود دنيا) للحماية الاجتماعية للجميع. يفتقر 80 في المائة من عمال العالم اليوم إلى أبسط أساسيات الحماية، مع أن الواقع يشير إلى جميع البلدان قادرة على توفير أرضيات شاملة للحماية الاجتماعية تختلف بين بلد وآخر، كلٌّ حسب ظروفه المالية.

تلك هي الرسالة الرئيسية لتوصية منظمة العمل الدولية رقم 202 لعام 2012 بشأن الأرضيات الوطنية للحماية الاجتماعية. وهي توفر قاعدة يمكن للمجتمع الدولي، بناءً عليها، أن يتوسع تدريجيًا في توفير الحماية لجميع الناس. ويكتسب هذا العمل زخمًا متزايدًا، وآمل بأن يجد له مكانًا في جدول أعمال التنمية لما بعد عام 2015 الذي يجري حاليًا نقاشه بين الدول كإطار جديد يخلف الأهداف التنموية للألفية.

أريد أن أقول للحاضرين في هذا المنتدى بأن جدول أعمال التنمية هذا له أهمية خاصة لبلدانكم. فكثيرة هي البلدان التي لديها أنظمة تقاعد وما إلى ذلك. لكن، قلة منها لديها أنظمة حماية اجتماعية شاملة حقاً.

السيدات والسادة
إن العمل اللائق والحماية الاجتماعية مكونان رئيسيان للتنمية المستدامة. لكن يجب استكمالهما بالالتزام باحترام المبادئ والحقوق الأساسية في العمل المعتمدة في إعلان منظمة العمل الدولية لعام 1998 والالتزام بالحوار الاجتماعي بين الحكومات وشركاءها من العمال وأصحاب العمل.

لقد عملتُ لسنوات عديدة مع زملاء عرب لإحقاق هذه الحقوق في بلدانكم. ورأيت التقدم المهم المحرز في هذا المجال، وأنا أتفهم العقبات والتحديات والمخاوف التي لا يزال يتعين مواجهتها، والتي يمكن أن تتخذ شكلًا خاصًا في البلدان التي تشكل العمالة الأجنبية فيها قسماً كبيراً من القوى العاملة أو أغلبيتها. لكننا نعرف بأن للجميع الحق في أن تُحترم حقوقهم.

لم تترك لي هذه التجربة أدنى شك في أن الحقوق الواردة في مواثيق منظمة العمل الدولية متوافقة تماماً مع قيم ومبادئ العالم العربي، مع معتقداتكم وثقافتكم. بل إن تلك القناعة تشجعني على الاعتقاد بأن لدينا مصلحة مؤكدة في العمل معًا في ظروف من الاحترام والثقة، فضلًا عن العزيمة لتحقيق أهدافنا المشتركة من غير ريب.

لذلك، أرغب في أن أختم بالتأكيد لكم على التزامات منظمة العمل الدولية تجاه أعضائها من الدول العربية.

منذ أن توليت منصبي في عام 2012، انخرطت منظمة العمل الدولية في عملية تغيير تهدف في نهاية المطاف إلى تزويدكم، أنتم هيئاتنا المكونة الثلاثية، بالخدمات المناسبة ذات الجودة التي تطالبوننا فيها بحق.

تتضمن هذه العملية شراكتنا مع منظمة العمل العربية. وأغتنم الفرصة لأشكر الدكتور لقمان على كل مساهماته في هذه العملية وعلى توجيهاته ودعمه الشخصي. وسنواصل العمل مع خليفته. وآمل أن تتضمن أيضاً تعاوناً مكثفاً مع مجلس التعاون الخليجي، الذي تكرّم أمينه العام باستقبالي هذا الصباح. وأعتقد أن المكتب الجديد للمجلس في جنيف سيساعد بالتأكيد في تعزيز هذا العمل.

وتتضمن العملية أيضاً عملنا المتواصل مع الشعب الفلسطيني ومن أجله. وكخطوة تالية، سأرسل بعثتي السنوية إلى الأرض الفلسطينية المحتلة الشهر المقبل وأقدم تقريراً لمؤتمر منظمة العمل الدولية عن النتائج التي تتوصل إليها. ففلسطين هي اختبار لالتزامنا بالعدالة الاجتماعية.

وسيشارك في العملية زملاء لنا من جنيف ومن مكتبنا الإقليمي في بيروت، سيطورون علاقاتنا مع الحكومات ومنظمات العمال وأصحاب العمل في المنطقة العربية، سيستمعون إليكم، ويتعلمون منكم، ويقدمون لكم كل ما نقدر عليه من دعم.

أشكركم جميعاً على حسن إصغائكم!