اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن القضاء على العنف والتحرش، 2019 (رقم 190)

منظمة العمل الدولية تطلق حملة للتأكيد على الحق في بيئة خالية من العنف والتحرش

الحملة عبر منصات التواصل الاجتماعي تسعى إلى دعم إيجاد تشريعات تكفل حق المرأة والرجل في عالم عمل خال من العنف التحرش

بيان صحفي | ٢١ يونيو, ٢٠٢٠
عمّان، 21 حزيران/يونيو 2020 - في الذكرى السنوية الأولى لتبني اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن العنف والتحرش، 2019 (رقم 190)، أطلقت المنظمة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة حملة عبر منصات التواصل الاجتماعي تؤكد على حق العمال/العاملات في بيئة خالية من هاتين الظاهرتين، اللتين تؤثران على ملايين الأشخاص حول العالم، خاصة النساء، بما في ذلك في الأردن، الذي بدأ في اتخاذ خطوات حماية في الاتجاه الصحيح.

الحملة، التي تستمر 4 أيام، أُطلقت بالتعاون مع الشركاء الاجتماعيين، الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي، والسفارة النرويجية في عمّان، تهدف إلى حشد دعم شعبي ورسمي لإيجاد تشريعات تكفل حق المرأة والرجل في عالم عمل خال من العنف التحرش، تزامنا مع الذكرى السنوية الأولى لإطلاق الاتفاقية (رقم 190) المصادفة في 21 حزيران/يونيو من كل عام.

وتنشر الحملة رسائل قصيرة من عمال/عاملات، أصحاب/صاحبات عمل، مسؤولين/مسؤولات من الحكومة، مشرعين/مشرعات، وشخصيات عامة، تبين بعض التأثيرات النفسية، الصحية، والاقتصادية للعنف والتحرش في عالم العمل، الذي تفاقم بسب تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).

الاتفاقية (رقم 190) تعرف العنف والتحرش بأنه "نطاق من السلوكيات والممارسات غير المقبولة أو التهديدات المرتبطة بها، سواء حدثت مرة واحدة أو تكررت، التي تهدف، تؤدي، أو يحتمل أن تؤدي إلى إلحاق ضرر جسدي، نفسي، جنسي، أو اقتصادي، وتشمل العنف والتحرش على أساس النوع الاجتماعي"، ويتضمن هذا التنمر والمضايقة، وغيرها من الأمور. وتقر بحق كل فرد في عالم عمل خال من العنف والتحرش، بما في ذلك العنف والتحرش على أساس النوع الاجتماعي، موفرة حماية واسعة تنطبق على القطاعين العام والخاص، والاقتصاد المنظم وغير المنظم، وفي المناطق الحضرية والريفية.

وتقول ريم أصلان، أخصائية النوع الاجتماعي في منظمة العمل الدولية، ان الاتفاقية (رقم 190) "توفر أدوات تسهم في تطوير استراتيجيات استجابة وتعافي من جائحة كوفيد-19، التي فرضت تحديات كبيرة على عالم العمل، وتعزز بناء بيئة للعمال والعاملات خالية من العنف والتحرش".

منظمة العمل الدولية تهدف إلى تعزيز العمل اللائق للمرأة والرجل لضمان عملهما في كرامة، مساواة، وأمان، وتعمل مع شركائها الاجتماعيين، أصحاب/صاحبات العمل، والحكومة لتكفل عملا لائقا للعمال/العاملات في القطاعات كافة.

ويقوض العنف والتحرش المساواة في العمل، وقد يؤثران سلبيا على من يتعرض إليهما، من حيث الأجور، التقدم الوظيفي، وظروف العمل، وقد يدفعا أفرادا إلى مغادرة عالم العمل. وفي حين أن التحرش قد يؤثر على أي شخص، إلا انه يمس بشكل خاص النساء، ويعزز الصور النمطية حول قدراتهن وتطلعاتهن. كما أنه يسهم في تقليل أعداد النساء اللواتي يدخلن أو يبقين في سوق العمل (إضافة إلى توسيع فجوة المشاركة في القوى العاملة)، وفي حصول النساء على أجور أقل من الرجال (مما يؤدي إلى تفاقم فجوة الأجور على أساس النوع الاجتماعي).

وتؤكد رئيسة ديوان التشريع والرأي، القاضية فداء الحمود، ان "تمكين المرأة سياسيا ودعمها اقتصاديا وتشجيعها اجتماعيا يحد من ظاهرتي العنف والتحرش، إذا لم يضمن إيجاد مجتمعات تخلو من العنف والتحرش".

العنف والتحرش في الأردن والمنطقة العربية

في الأردن، تبنت وزارة العمل سياسة لمنع العنف والتحرش في عالم العمل ومدونة سلوك، ورفعت الحكومة إلى مجلس النواب تعديلات للمادة 29 من قانون العمل توافقت عليها مع مؤسسات من المجتمع المدني بعد الأخذ بتوصياتها عبر جلسات حوارية نظمتها منظمة العمل الدولية مع شركائها الاجتماعيين.

وشجع برنامج "عمل أفضل" المشترك بين منظمة العمل الدولية ومؤسسة التمويل الدولية على تنفيذ سياسات وتدريب ضد التحرش في مصانع النسيج في الأردن؛ فازداد فهم العمال/العاملات، والإدارات لآثار التحرش الجنسي بنسبة أكثر من 40%، وانخفضت مخاوف العمال/العاملات منه بنسبة %18.

ويقول رئيس اتحاد نقابات عمال الأردن، مازن المعايطة: "عملنا ونعمل على التوصل إلى اتفاقيات عمل جماعية تمنع وتجرم العنف والتحرش في أماكن العمل عبر مفاوضات جماعية يتبعها برامج توعوية وتدريبية لإيجاد بيئة خالية من العنف في عالم العمل."

إلا ان تحديات لاتزال قائمة، إذ سجلت دراسة علمية أجرتها اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة قبل نحو عامين وشملت 1366 شخصا، غالبيتهم من الإناث، نسبة معدل انتشار التحرش الجنسي بأنواعه المختلفة بـ 75.9%.

"مكان العمل تتحقق فيه الذات، والعمل جزء أساسي من تحقيق الذات والإسهام في تحسين الدخل، والوضع الاسري، وبالتالي من المهم تعزيز أماكن العمل وصورتها عبر إيجاد آليات تضمن خلوها من العنف والتحرش،" بحسب الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، سلمى النمس.

وتؤكد: "التحرش جريمة، ومسؤوليتنا كدولة ومؤسسات قطاع عام وقطاع خاص ان نضمن ان تكون بيئة العمل خالية من التحرش والعنف حتى يستطيع النساء والرجال ممارسة حقهم في العمل وتحقيق ذاتهم دون شعور بأي خوف."

وفي دراسة أجرتها منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية عام 2018 تبين ان 75.3% من الأردنيات اللواتي تعرضن للتحرش في مكان العمل لم يفكرن في اتخاذ إجراءات قانونية.

في مصر، أظهرت دراسة أجرتها قبل سنوات هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالتعاون مع مؤسسات مصرية، تعرض أكثر من 99% من الإناث إلى شكل من أشكال التحرش، بما في ذلك في أماكن العمل.

ويعد العنف الاقتصادي، وهو جزء من العنف على أساس النوع الاجتماعي، الأكثر شيوعا في المغرب بعد العنف الجسدي، بحسب دراسة أجرتها وزارة التضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية بدعم من الأمم المتحدة.

ويشمل عالم العمل مكان العمل، والأماكن التي يتقاضى فيها العامل/العاملة أجراً أو يأخذ استراحة أو استراحة لتناول الطعام أو يستخدم مرافق صحية أو مرافق للغسل أو لتغيير الملابس، وخلال الرحلات المتعلقة بالعمل والسفر والتدريب، والأحداث أو الأنشطة الاجتماعية، وعمليات التواصل المرتبطة بالعمل (ومنها عبر تقنيات المعلومات والاتصالات)، في أماكن الإقامة التي يوفرها صاحب/صاحبة العمل، وعند الذهاب من وإلى العمل. وقد يشمل العنف والتحرش طرفا ثالثا.

تحرش وتنمر

وتنوعت الرسائل التي تلقتها حملة منظمة العمل الدولية، بما في ذلك تجارب تعرض فيها أشخاص إلى تحرش أو تنمر في عالم العمل.

"كان الشغل جديد والمدير طلب مني مساعدة. تحرش فيّ وما صدقت شو حاول يعمل وخفت كثير. تركت شغلي فورا وحتى راتبي ما استلمه وبعثت صاحبتي تاخذه،" تقول إشراق، التي عملت سكرتيرة في مصنع.

ولا يقتصر التحرش على السلوكيات الجنسية السيئة، فهو يشمل التنمر أيضا، إذ يقول أحمد، وهو صحفي: "خلال عملي في مؤسسة إعلامية، تعرضت إلى تنمر ومضايقات من الإدارة بسبب الشخصنة، وحاولت المقاومة لكني استقلت بعد فقدان الأمل في استرجاع حقي."

وأسهم في الحملة أيضا عاملات/عمال منازل، إذ تقول إحداهن: "خلال فترة الحظر، تعرضت إلى تحرش جنسي من ابن صاحب/صاحبة العمل. أنا ممتنة لبقائي على قيد الحياة وكل ما أريد هو العدالة."

وفي تجارب معينة، حال التحرش دون حصول البعض على عمل، كما حدث مع مي، وهي منسقة مشاريع في منظمة غير حكومية.

وتقول: "كنت متخرجة جدید ومتحمسة اروح على أول مقابلة شغل، بس للأسف كانت مقابلة تحرش بدأت بسؤال عن قبولي اسافر معه بداعي العمل وانتهت بمحاولة لمسه لرجلي. كان محترف بجس نبض تقبل الموظفة للتحرش أكثر من حرفیته بمعرفة مؤهلاتها."

تدابير مكافحة

لكن في نفس الوقت، اتخذت مؤسسات تدابير وإجراءات لمكافحة العنف والتحرش في أماكن العمل.

وتقول مديرة موارد بشرية في مصنع يعمل فيه غالبية من الأردنيين والأردنيات ان مدونة سلوك أُقرت فيه للحماية والوقاية من هاتين الظاهرتين.

وتضيف: "مع إقرار مدونة السلوك، وإدراك العمال والعاملات لمفهوم العنف والتحرش الواسع، تعززت بيئة العمل، وازدادت طمأنينة أسرهم والمجتمع المحلي عن ظروف عمل أبنائهم وبناتهم."

وتبين ان المصنع في بداية الأمر "واجه تحديات في تشغيل النساء، لكن هذا تغير بعد تنظيم الأمور عبر مدونة السلوك، التي شجعت الفتيات على العمل".

عضو مجلس النواب، المحامية، وفاء بني مصطفى، تدعو إلى تجريم التحرش الجنسي، وتقول: "نص صريح يجرم التحرش الجنسي في مكان العمل ويفرض عقوبات رادعة، تبقى الحماية القانونية للعاملات قاصرة عن دعم نضالنا لرفع المشاركة الاقتصادية للنساء."

وتؤيد ذلك سالي أبو علي، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة أمان المتخصصة في تنمية رأس المال البشري، مطالبة "ببنود صارمة وغرامة ضخمة في قانون العمل ضد المتحرش، إضافة إلى إجراءات وسياسات واضحة منصفة ..."

الاتفاقية (رقم 190) والعنف والتحرش عالميا

في عالم العمل، وفق الاحصائيات المتوفرة من الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، واتحاد النقابات العمالية الدولي، تتعرض إلى تحرش أو عنف 77% من الإناث في إفريقيا؛ 45%-55% في أوروبا؛ و30%-50% في أميركا اللاتينية؛ و30%-40% في آسيا ومنطقة المحيط الهادي.

وبحسب دراسة دولية حديثة لمنظمة العمل الدولية وهيئة الأمم المتحدة للمرأة لمختلف مكونات عالم العمل، بينت الأبحاث في الولايات المتحدة ان أكثر من 50% من الإناث العاملات في المجالات الأكاديمية، ونحو 20%-50% من الطالبات الأكاديميات يتعرضن إلى تحرش في الكليات والجامعات.

الاتفاقية (رقم 190) والتوصية المرافقة لها (رقم 206) تهدفان إلى ضمان ألا يتعرض أحد للعنف والتحرش في عالم العمل، وتحمي الاتفاقية العمال/العاملات والأشخاص الآخرين في عالم العمل. ويشمل ذلك العاملين/العاملات على النحو المحدد في القوانين والممارسات الوطنية، والذين يعملون بصفة عامة بغض النظر عن أوضاعهم التعاقدية، والأشخاص تحت التدريب في العمل، والعمال/العاملات ممن اُنهيت خدماتهم، والمتطوعين/المتطوعات، والباحثين/الباحثات عن عمل، والمتقدمين/المتقدمات إلى وظائف، والأفراد الذين يمارسون سلطة، واجبات، أو مسؤوليات صاحب/صاحبة العمل.

وتدخل الاتفاقية حيز التنفيذ بعد مصادقتها من قبل دولتين من الأعضاء بمدة 12 شهرا، وهي خطوة اتخذتها بالفعل أوروغواي هذا الشهر.

ومع ضرورة إدراك ان جائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية المرتبطة بها تزيد من مخاطر العنف والتحرش في عالم العمل، تدعو منظمة العمل الدولية الدول الأعضاء كافة إلى مصادقة الاتفاقية (رقم 190)، تقوية تدابير الوقاية في عالم العمل، تعزيز قاعدة المعرفة بشأن العنف والتحرش في عالم العمل، وضمان وصول المتعرضين/المتعرضات إلى العنف والتحرش إلى العدالة والإنصاف/التعويض بأمن وسهولة.