لبنان بحاجة إلى إصلاحات عاجلة لإعادة تغطية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى مستويات كافية

تستعرض دراسة أجراها المكتب الإقليمي للدول العربية التابع لمنظمة العمل الدولية نتائج تقييم هو الأوّل من نوعه للوضع المالي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في لبنان.

مقالة | ١٥ مايو, ٢٠٢٣
أظهر تقييم أجرته منظّمة العمل الدولية أنّ صافي المركز المالي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في لبنان في نهاية العام 2020 إيجابي، إلا أنّ تقديمات الصندوق لم تواكب الارتفاع السريع في كلفة المعيشة. ومع دخول الأزمة المالية والاقتصادية والسياسية في لبنان عامها الثالث، فقد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى حدّ كبير قدرته على توفير الضمان الاجتماعي للمشتركين فيه، وبالتالي لا بدّ من إجراء إصلاحات عاجلة لإعادة التغطية إلى مستويات كافية.

في شهر شباط/فبراير 2023، قام المكتب الإقليمي للدول العربية التابع لمنظمة العمل الدولية بدراسة تستعرض نتائج تقييم هو الأوّل من نوعه للوضع المالي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. تحدّد هذه الدراسة المخاطر المحتملة والتدفقات المالية المتوقّعة للسنوات الخمس المقبلة لكلّ من فروع الضمان الثلاثة، وهي: فرع ضمان المرض والأمومة، وفرع تعويض نهاية الخدمة، وفرع التعويضات العائليّة. أُجري التقييم المستقلّ بالتعاون مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي خلال سنة 2022، بمشاركة مجموعة من شركات المحاسبة والخدمات الاكتوارية اللبنانية.

تراجع قيمة المنافع
بالرغم من أنّ المراكز المالية لكلّ من فروع الضمان الثلاثة إيجابية، لم تواكب تقديماتها التكاليف الفعلية للمعيشة والرعاية الصحّية. وطالما أنّ قيمة الرواتب والاشتراكات لا تزال أدنى بكثير مما كانت عليه قبل الأزمة، لن يحصل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على الموارد اللازمة لتعديل المنافع التي يقدّمها.

وقد تراجعت قيمة المنافع بشدّة في فرع تعويض نهاية الخدمة على نحو خاص. فالأجير الذي تقاعد بعد 30 سنة من الخدمة ومن الاشتراك في الصندوق براتب بلغت قيمته 1,000 دولار أميركي حتى شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019 كان مؤهلًا للاستفادة من تعويض نهاية خدمة بقيمة 35,000 دولار أميركي. أمّا اليوم، فالراتب المصرّح عنه الذي تعادل قيمته الحدّ الأدنى للأجور البالغ 9,000,000 ليرة لبنانية يؤهّل الأجير للاستفادة من تعويض لمرّة واحدة بقيمة 3,000 دولار أميركي فقط تقريبًا.

وفي ما يتعلّق بفرع ضمان المرض والأمومة، الذي يقدِّم منافع قصيرة الأجل تعتمد إلى حدّ بعيد على التدفّق الحالي للموارد، عرضت الدراسة لعدّة سيناريوهات بدرجات مختلفة من الإيجابية، أفضلها يتيح للصندوق تقديم 50 في المئة من التغطية التي قدّمها قبل الأزمة. وفي كلّ السيناريوهات، من المتوقع أن تتجاوز تكاليف الرعاية الصحّية إيرادات الصندوق السنويّة بشكل كبير، نظرًا إلى أنّ التضخّم في التكاليف الطبّية أعلى بكثير من معدّل نمو الأجور، خصوصًا مع انخفاض قيمة العملة الوطنيّة ودولرة رسوم الرعاية الصحّية.

الخروج من الحلقة المفرغة المتمثّلة في التصريح عن الرواتب بأقلّ من قيمتها الفعليّة
من الشائع حاليًا التصريح عن الرواتب بأقلّ من قيمتها الفعليّة، ما يحرم الصندوق من موارد كثيرة ويحدّ من قدرته على تقديم المنافع. وتؤدّي التغطية غير الكافية بدورها إلى تدنّي مستوى الثقة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتراجع الاشتراكات، ما يأسر نظام الضمان الاجتماعي والمشتركين في حلقة مفرغة. وفي حال عدم عكس هذا المسار، سيزداد اللجوء إلى التأمين الخاص، ما يحدّ من قيمة الموارد الاقتصادية المُستثمَرة في التكافُل الاجتماعي.

تعود مشكلة التصريح عن الرواتب بأقلّ من قيمتها الفعليّة في جزء منها إلى الزيادة الكبيرة في دفعات التسوية التي يتعيّن على أصحاب العمل سدادها قانونًا لسدّ الفجوة في حسابات تعويض نهاية الخدمة الفرديّة. وتقدّر الدراسة أنّ مبالغ تعويض نهاية الخدمة المتوجّبة ازدادت من 1.5 تريليون ليرة لبنانية في العام 2020 إلى 105 تريليون ليرة نتيجة زيادة الحدّ الأدنى للأجور مؤخرًا إلى 9 ملايين ليرة، علمًا أنّ أصحاب العمل يتحمّلون القسم الأكبر من هذه المبالغ على شكل دفعات التسوية.

فضلًا عن ذلك، يفتقر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى القدرة المالية الكافية للتعامل مع الأزمة نظرًا إلى محفظة أصوله، إذ إنّ معظمها كناية عن سندات خزينة وودائع مصرفية فقدت قيمتها بسبب انخفاض قيمة العملة. وفي حين يمتلك الصندوق مبالغ مستحقّة لدى الحكومة اللبنانية تُقدَّر بحوالى 5 تريليون ليرة لبنانية، بلغت قيمة هذه المتأخرات الحكومية في شهر كانون الأول/ديسمبر 2022 حوالى 18 في المئة فقط من إجمالي الأصول التقديريّة للصندوق. وقُدِّرَت الاحتياطيات الصافية لدى الصندوق بحوالى 7 تريليون ليرة لبنانية.

الإصلاحات العاجلة كفيلة بتجنيب لبنان انهيارًا في الضمان الاجتماعي
تُظهِر نتيجة التقييم أنّه لا مفرّ من تطبيق نوعَيْن من الإصلاحات العالية المستوى: إجراء تغييرات هيكليّة في برامج التغطية الصحّية الحالية، واعتماد برنامج جديد لنظام التقاعد. تبحث اللجان النيابية حاليًا في مشروع قانون مُقدَّم بشأن نظام التقاعد، وهناك حاجة ماسّة لإقرار هذا القانون. منذ سنوات ولبنان بحاجة إلى تحويل تعويض نهاية الخدمة إلى نظام معاشات تقاعدية دورية للعاملين في القطاع الخاص، وهو مطلب أساسي ليتمكّن البلد من الالتزام بالمعايير الدولية للضمان الاجتماعي. ففي ما عدا الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، لبنان هو الدولة العربية الوحيدة التي تفتقر إلى نظام معاش تقاعدي للقطاع الخاص. حاليًا، ينظر مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في ترتيب انتقالي قد يمنح فورًا الأفراد المشتركين في الصندوق معاشًا شهريًا بقيمة 40 في المئة من راتبهم، مع تعديله بصورة منتظمة لمجاراة تضخُّم الأجور. ولكنْ، بموجب تشريعات الضمان الاجتماعي الحالية في لبنان، لا يمكن إطلاق هذا النظام إلا على أساس اختياري واستدامته لفترة انتقالية تمتدّ من 3 إلى 5 سنوات، إلى حين إقرار مجلس النواب لقانون نظام التقاعد ودخوله حيّز التنفيذ.

أمّا في ما يتعلّق ببرنامج التغطية الصحّية، فالحلّ يتجاوز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ويستوجب إشراك عدد من الجهات المعنيّة لمناقشة الإصلاحات على صعيد القطاع ككلّ من أجل التمهيد لمسار تعافٍ استراتيجي والانتقال من نظام تمويل الرعاية الصحّية المتهاوي. من ناحية أخرى، قدّم التقييم توصيات أكثر تفصيلًا، تشمل إصلاح آليات الشراء مع مقدّمي الخدمات الطبّية وإعادة النظر في العتبات المتدنّية للرواتب التي تُحدَّد بموجبها قيمة الاشتراكات.

وأخيرًا، ينبغي تعديل قيمة المنافع في فرع التعويضات العائليّة من أجل تقديم دعم كافٍ لدخل الأسر، الأمر الذي يشكّل أحد الإصلاحات الأساسية في سياق الأزمة الحالية.

كذلك، ركّزت الدراسة على ضرورة تحسين المعايير والعمليّات المحاسبيّة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إذ ذكرت أنّ كلّ النتائج المقدَّمة "تستند إلى العمليّات المحاسبيّة الضعيفة التي يعتمدها الصندوق، حاله حال غيره من المؤسّسات العامّة في لبنان، وهي عمليات لا تستوفي المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية". وأضافت الدراسة أنّ هذه الأرقام والبيانات لم تخضع للتدقيق منذ أكثر من 10 سنوات.

للاطلاع على التقرير الكامل، يرجى زيارة هذا الرابط.

أُجريَت هذه الدراسة في إطار جهود منظمة العمل الدولية لتعزيز الحماية الاجتماعية في لبنان، بدعم جزئي من الاتحاد الاوروبي.